المغرب للجزائريين حبيب / 22
المغرب للجزائريين حبيب / 22
الرباط : مصطفى منيغ
- أَنَا هُنا من أجل غاية ما أَصعبها على فهمكَ، وأنتَ ما أنتَ عليه مِن حَسْمٍ لموقف لا تعرف حتَّى عمق خطورته عليكَ. وطننا جميعاً المغرب ، وإن تناسينا حقَّه علينا بالبقاء هنا في مثل الظروف ، وبشروط نظام الرئيس الهواري بومدين ، مهما وصلنا سنكون دوماً هؤلاء الغرباء ، الذين بدَّلوا مقامهم الشريف براتب ونجاح ، سيتوقَّفان أصلاً إن توقَّفت لوازم العمالة بالخنوع لتقديم ما شاء ذاك الحاكم السيد ، لأننا في نظره سنظل مجرَّد عبيد ، عليهم الطاعة العمياء مجبرين ، لا حقَّ لهم في الكلام إذ الأمر صادر لهم من البداية بالْتِزامِ الصَّمت ، ما دامت قيمتهم لا تُساوي نصف جزائري ستكون ، على العموم أترككَ صديقي للنوم بعدما انقضى من الليل نصفه، وغدا سيكون لنا اللقاء/المرجع، مهما طال أو قَصُرَ الزمن عن هذه اللحظات الرهيبة ، التي نحياها ولا خيار أمامنا إلاّ الاستمرار ، ما دام التوقُّف عمَّا سنقوم به ، سيكلِّفنا ما لم نتمكَّن من حكاية تفاصيله فيما بعد إذ سنكون تحت الثرى .
... بعد تناول وجبة الفطور في الصباح الباكر، خرجنا وطريقنا صوب القنصلية العامة للمملكة المغربية بالجزائر العاصمة ، في "فيلاّ" مكشوفة للطَّابق الثالث الكائن في عمارة مقابلة تحسب آلياتها المتتبعة ليل نهار مستجدات ما يحدث داخل ، وفي محيط تلك المؤسسة الدبلوماسية ، التي زادها السيد (م/ب) القنصل العام ، ارتباكاً على ارتباك بما أعلنه لي ساعتها ونحن داخل مكتبه ، عن تخوّفه من حماقة قد يرتكبها جانب جزائري تحمَّس أزيد ما يكون حماس الغضب المترتِّب عن سكوت وتشجيع بعض السلطات الرسمية له بمهاجمتنا ونحن لا نملك من وسائل الدفاع عن أنفسنا ، كما ترى أستاذ مصطفى إلا أجسادنا ، خاصة والسفير السيد "السنوسي" غائب من مدة ، والاتصالات الرسمية مع المغرب مقطوعة ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم . كان يتحدث إليَّ فأتخيّله ذاك الموظف لدى وزارة الداخلية بدرجة "باشا" على مدينة "القصر الكبير" الواقعة في الشمال المغربي ، متعوِّدا على حصانة الحماية الدائرة به صباح مساء ، أتخيله ولا أستطيع التحكُّم في ضحكة عبرت بها عن موقفي الواضح الصريح ممَّا وقفتُ عليها من حالة رُعب ، ما توقعت أن تجتاح مسؤولاً في مَرْتَبَتِهِ الموقرة بقوة القانون الدولي .
... تعمّدت التوقف لبضع دقائق أمام تلك المؤسسة الدبلوماسية التابعة لبلدي حتى يتمكَّن مَن يراقب في ذاك الطابق من تلك العمارة المقابلة ، من التقاط صوري ومن زوايا مختلفة ،لسببٍ أنا على دراية تامة بما سيترتَّب عليه ، وحتى أكون في مستوى أمانة نقل الأحداث المُعاشة بما تخلّلتها مِن حقائق ، لا يمكن القفز عن ذكرها أخص بالذكر ما انتبهت إليه (ونحن نقطع المسافة الفاصلة بين موقعنا والمكان المذكور) والأخ (ب/ع) تبلّل وجنتيه دموع يذرفها متأثرا أشد ما يكون التأثر ، فسألته :
- لما تبكي؟؟؟.
- إلى أين نحن ذاهبون ؟؟؟. أجابني.
- إلى حيث نجتمع نحن الثلاثة ، فنخرج منه كما دخلناه بنفس العدد، أو باثنين منا فقط .
طلبت منه أن يُكَفْكِفَ عبَراته ، مطمئنا إياه أنني سأتصرَّف بما أراه يُتمِّم الرحلة لإنجاح العملية بأقل توتر ممكن ، حتى نعود نحن الثلاثة من حيث انطلقنا للاجتماع من جديد مع الأهل الأحبة فوق أرض المغرب الحبيب .
...فُتِحَ لنا الباب ليستقبلنا السيد (...) طالبا منا أن نتبعه لغاية مكتب الإضاءة داخله توحي بأمور قد تقع غير لطيفة ، بدون تضييع للوقت توجه بالحديث للأخ (ب/ي):
- الوطنيَّة مُكلّفة للغاية حينما تلتصق بشغاف قلب متشبث خفقانه بعشقها ، فلا يرى سبيلاً قويماً يقطعه ما وُجِد إلاَّ بها كمنتسب لوطن يعتز به ، الوطنية الصادقة الغير ملونة بما تتخَفّى به الحرباء ، لتُوهم القادم والخطر عليها يتلألأ من منظره المخلوق به طبيعياًّ دون زيادة أو نقصان ، الوطنية المترفّعة على المصالح الذاتية مهما كانت وكيفما بلغت قيمتها المادية . لقد كنت مساء البارحة قبل السابعة وبعدها لغاية الفجر في إقامة الأستاذ مصطفى منيغ بطلب شخصي منه فهمت قصده المتعلّق بتأمين المكان حيث تجتمعون ، وتركه خاليا من أية آلة تسجيل أو تصوير موضوعة هناك بفعل فاعل ، تُستَغَلّ مضامينها لفائدة من تعرفونهم جيداً.فسمعتُ ما ذكرته أيها الأخ (ب/ي) فعز علىّ أن يأتي ذاك الكلام من شاب مثقف مثلك ، يتمتَّع بطاقة عقليّة سليمة ، ولا يرضى لدولته المملكة المغربية أن يمسّها ضرر من أي حجم أو مصدرٍ كان، وحتَّى أضعكَ في الموضع المفروض أن تُوضعَ داخله ، من الواجب عليَّ أن أحيطك َ ببعض المعلومات لتحكُم بها على نفسك بما ستحكم وبالعدل طبعاًَ ، معلومات غائبة حتى هذه اللحظة عن الأستاذ مصطفى منيغ نفسه ، الرئيس الهواري بومدين طلب اللقاء به نصف ساعة قبل عرض المسرحية المعلومة ليمده بغلاف داخله شيك مصرفي بمبلغ 50.000 دولار أمريكي يتسلمه بنفس العملة الصعبة ، وحينما تتحدثُ أنتَ أيها الأخ عن الراتب الشهري ، الأستاذ مصطفى منيغ يتوصل بتعويض مالي يقارب قيمة أربعين دولارا عن الدقيقة الواحدة ، لإنتاجه المُستغرق بثه على الهواء ، لساعات على امتداد حلقات بواسطة الإذاعة والتلفزة الجزائرية وفق عقد رسمي موقع بينهما ، بالإضافة لمبالغ مالية يتوصَّل بها بين الحين والآخر نتيجة إبداعه المُستغل من طرف الرئيس ذاته ، وبخاصة ما شارك به كتنظير للثورات الثلاث الفلاحية والصناعية والثقافية . مقارنة مع الراتب الذي تتوصل به أيها الأخ من وزارة العمل بواسطة فرقة كاتب ياسين ، المحدودة العمل داخل الجزائر كحقيقة مرجعية ثابتة ،، مقارنة لا تجوز مهما كانت المقاييس ، ومع ذلك الأستاذ مصطفى تخلَّى عمَّا يعرفه ، ومَن كان حتى اللحظة لا يعرفه ، سبيل الوقوف بجانب وطنه ، وبَدَلَ أن تقفَ بجانبه تحاول خلق معارضة لما رتَّبَ له ، طبعاً الزيارة التي قامت بها زوجتك المحترمة الشجاعة ، التي طرقت عليك باب حجرة مقر شارع الكولونيل لطفي ، المفروض أن تكون رغم قصر مدّتها ، قد تركت في نفسيتك انطباع الحنين للاستقرار بمدينة "وجدة" بوضعية أفضل وأنت أحد أبطال المعركة التي خططَّ لها وقادها هنا في الجزائر الأستاذ مصطفى منيغ ، فما قولك ، خذ حريتك في الكلام .
... قاطعتُ السيد (...) قائلاً :
- ّأَصْلُ الصديق (ب/ي) الطيّب الأصيل لن يقذف- َبه خارج المسؤولية التي تحمَّلها اتجاه نفسه وأسرته الصغيرة وبلده المغرب ، بالتأكيد الخوف من الغد وحاجيات الغد تؤثر في توازن التعقُّل للحظات فقط وليست في العقل ، المتزن القائم بتوجيه المشاعر نحو الخير والصلاح وحب الوطن ، قرأت بعض المسرحيات التي كتبها ، فوجدته نعم المفكّر الذي يرخي العنان للتفلسف تارة ، لكن الزورق يقوده بأمانة لضفة النجاة ، لنحسبها وقفة عابرة أخذها الأخ للتيقُّن أنه واحد منَّال ولن نتخلَّى عنه ، لي اليقين أنه على استعداد من الآن ، للقيام بما سأكلّفه به ، ولك كل الشكر إن سمحت لنا التحرُّك لما ينتظرنا فيما بقي من وقت .
... اتجهنا لمكتب القنصل العام الذي استقبلنا بما يؤكّد تقديره لنا ، متتبِّع مجتهد وجدته كي لا يفوته أي شيء ممَّا أحَضِّره شخصياً لأمر يهمّه جيداً أعلم علم اليقين سببه ، إنما هو الصبر الجميل ، وغدا نلتقي في المغرب بمشيئة الله ، وأصارحه بمخاوفي كلها من ناحيته ، المهم طلبتُ منه أن يُحضِرَ للأخوين قنينة شراب رفيع المستوى ، التي بحثت لاقتنائها من شارع طنجة بالعاصمة ولم أجد لها أثرا، فثمّة سهرة ذات معنى مع ممثِّل البوليساريو يُخصَّص سائلها لجوفه ، فيتسامح عقله مع ما سيصرِّح به لسانه بسخاء ، حول تلك الجماعة وهي في المهد ، غاب لحظة عاد بعدها بقنينة لا مثيل لها في السوق، موزّعة خصيصاً على المؤسسات الدبلوماسية، لتقديم فحواها لكبار الزوار الأجانب، عربون مجاملة معمول بها في مثل المستويات.(يتبع)
مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي
تعليقات
إرسال تعليق