التَّطبيع للتطبُّع طابع
التَّطبيع للتطبُّع طابع
برشلونة : مصطفى منيغ
بِيرِْلِيَه يهودية مغربية زاد من حسنها الطبيعي بذخ ما ترتديه من لندن ، وما تتعطَّر به من "باريس" الغالي الثمن ، وما تحمله حقيبة فوق ذراعها الأيمن ، من صانع ماهر في "روما" لجلدها وَدَّن ، وقبعة من "مكسيكو" قِشّها المذهب شَعْرُها الأشقر بها تَلَدَّن ، والمنديل الحريري المطوق جيدها من "القصر الكبير" مَنْ لمَسَه هَدَن ، وما احتضنتها باقة ورد مقدمة إليّ (مسبوقة بكلمات لحنين ذكرى عطرة أقرب بل أحَنّ ، لحظة اللقاء المفاجئ المفعم بدفء ماضي لا يُقارَن) من "برشلونة" ذات المقام بالعظمة وغزارة التاريخ المجيد مُلَوَّن .
ليست الغرابة مُخَفّفَة وحدة الغربة وحسب بل توطئة مقبولة لإبعاد البَوْن، بين الطاغي كحرمان، والمقبل كأمل منطلقه الأمان، إن كانت شكلاً لإنسانية الإنسان تُفرِح، ومضموناً باسترجاع متعة تائهة من زمان تَقْتَرِح.
... في الجلسة الأولى أخبرتني عن وصولها من "تل أبيب" ، لزيارة عمل لها في "مدريد" ، قبل مواصلة الرحلة إلى المغرب ، وتحديداً إلى مدينة "القصر الكبير" حيث تنوي اعادة بناء منزل أسرتها والاستقرار لما تبقَّى من عمرها داخله كمغربية متمتعة بكامل حقوقها كسائر المغاربة لا فرق بينهم إطلاقاً ، وستكون سعيدة إن رافقتها لتحقيق مثل الرغبة إذ تعلم بحبِّي الشديد لمدينة اعتبرتُها لمدة أن مقامي الأخير في الدنيا سيكون بين ربوعها ، إلى وقت غيَّرتُ فيه الرؤيا / الرجاء ، لأسباب حان الوقت لذكرها بما تستحق من تفاصيل ، خاصة وقد أصبحت مقرّ مرحلة أسوأ منها لن تكون ولن تتكرر أبدا .
حضرت من "تل أبيب" عاصمة دولة تنتسب إليها كيهودية بعقلها ، أما القلب لم يفارق خفقانه المغرب كأب حنون كما تدَّعِي ، ومكان مقدّس ترتبط به ولن تتخلى عنه أبدا ، مثل الآلاف من اليهود المغاربة المنتشرين على تخصصات ومناصب منها السامية عبر مجموع إسرائيل بما فيها العاصمة التي تركتْها تعيش حُلماً تتمنى أن لا تبدّده وقائع تتحسس حدوثها مع سنة 2021 المتضمّنة شؤماً لم يعد همساً مُتبادلاً في جل الأمكنة هناك ، بل هاجساً مًعاشاً يحتّم على جل المعنيين به، الشروع في هجرة معاكسة والمغرب هدفاً محسوماً في الموضوع لعدة اعتبارات منها : الإبقاء على الخيط الرفيع الموصل تيار التعاطف المتجدّد بينه واليهود عبر عصور موغلة في القدم ، ذاك التعاطف الرامي للحفاظ على خط الرّجعة متى ضاقت بعم الأوضاع أينما تواجدوا، ومثل القناعة لا تتأثر إطلاقا بالعامل السياسي مهما كانت البرامج المعتمدة في الموضوع من طرف بضع جهات حاملات شعارات ظرفية خدمة لانتخابات برلمانية أو محلية ، إذ عمق الارتباط مُلحق بما يترتَّب عليه من التزامات موقف متبادل قلباً وقالباً بين كافة اليهود المغاربة والمؤسسة الملكية مباشرة بغير وسيط بينهما ، وبالتالي الارتباط قائم على حق التمتّع الموروث بمِلكِية العقار تلك المِلكية المقدسة التي لا يمكن إنكار تسلسل مقامها على نمط غير قابل للتغيير بغير موجب حق يُكتسب عن طريق العدالة ، ولليهود المغاربة الباع الطويل في مثل الأمور ورثوه أباً عن جد لحد الساعة ، ممَّا يشجعهم على العودة في اطمئنان تام . (يتبع)
مصطفى منيغ
تعليقات
إرسال تعليق